متفرقات

ركان الضيقة | تلزيم لبنان إلى سوريا؟ قراءة عقلانية في خرافة تُسوّق للهيمنة المعكوسة

ركان الضيقة |
تلزيم لبنان إلى سوريا؟ قراءة عقلانية في خرافة تُسوّق للهيمنة المعكوسة

منذ أسابيع، بدأ التداول في بعض الأوساط السياسية والإعلامية اللبنانية بما أُطلق عليه “مشروع تلزيم لبنان إلى سوريا”، وكأننا أمام صفقة جيوسياسية كبرى يُعاد فيها رسم النفوذ، وترسم خارطة جديدة لما بعد الحرب.

لكن السؤال الجوهري الذي يتجاهله هذا الخطاب: من يملك القوة الفعلية ليلزم من؟
وهل من يردد هذه المقولة يدرك حقًا ما يقول؟
أم أن البعض لا يزال يعيش أسر خرافات إعلامية، صنعتها غرف الحرب النفسية، وتكفّلت بتسويقها أدوات داخلية تخدم المشروع الصهيوني من حيث يدري أو لا يدري؟

القوة لا تُؤخذ بالرغبة… بل بالواقع

عادة، حين يُلزم كيان سياسي أو أمني طرفًا آخر، يكون ذلك نتيجة تفوق عسكري واقتصادي شامل.
فمن الذي يملك هذا التفوق في واقع المنطقة؟

هل هي الجماعات المسلحة التي قاتلت الجيش السوري وبدأت بقتال بعضها .

أم هي سوريا المدمَّرة اقتصاديًا بفعل الحصار والعقوبات؟

أم هو لبنان المثقل بانهيار مالي وانقسام سياسي؟

الواقع أن كل هذه الكيانات ليست في موقع يؤهلها لإلزام أحد بشيء، ولا حتى لإدارة نفسها إلا بصعوبة.

 

خرافة الجولاني “المحرِّر”… وصناعة البطل الزائف

هل صدّق البعض فعلًا أن الجولاني و”أوباشه”، كما وصفهم بعض السوريين، هم من “حرروا” سوريا؟

الحقيقة تقول شيئًا مختلفًا تمامًا:

الذي دمّر معظم المقدرات العسكرية السورية من مطارات ودفاع جوي ومراكز قيادة، لم يكن الجولاني، بل:

الغطاء الأميركي

والقصف الإسرائيلي المنسّق مع غرف عمليات خارجية

الدولة السورية خاضت حربًا مركبة على أكثر من جبهة:

جماعات تكفيرية مدعومة استخباريًا

أدوات خليجية تركية وغربية

حصار اقتصادي شامل

قصف جوي إسرائيلي ممنهج (أكثر من 150 غارة منذ 2017)

فأي “تحرير” يتحدثون عنه؟
تحرير مدعوم من تل أبيب؟
بقيادة من يقف على أبواب السفارات طالبًا العون؟

أين لبنان في كل ذلك؟

الذين يتحدثون عن “تلزيم لبنان إلى سوريا” يتجاهلون:

1. أن لبنان لا يخضع فعليًا لأي أحد ، بل يعيش حالة “فوضى مدارة”، تتحكم بها مشاريع متضاربة: أميركية، فرنسية، خليجية، تركية، إيرانية، روسية… وليس مشروعًا سوريًا تقليديًا مهترئ.

2. أن النظام السوري الجديد بالكاد يمكنه بناء نظامه الإداري والأمني بعد حرب تورط بها بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية .

3. أن القوة المؤثرة اليوم ليست الفصائل السورية، بل هي:

حزب الله، كقوة منظمة، ذات ثقل عسكري وشعبي إقليمي

الجيش اللبناني، الذي رغم إمكانياته، يُحسب له ألف حساب

الوعي الشعبي الرافض للفتنة والتفكك

وهم المواجهة الداخلية… تجربة الدم لا تُنسى

ولمن يتوهّم أن في لبنان فريقًا داخليًا لديه القدرة على فرض مواجهة، أو أن بعض الموتورين والمنتفعين قادرون على إسقاط المعادلة، نقول:

هذه البلاد جرّبت نار الحرب الأهلية، وتعلم شعوبها أن لا رابح في الصراع الداخلي سوى العدو.

كل من يدّعي أنه قادر على المواجهة، إنما يُحركه الوهم أو تستعمله أجندات أكبر منه.

لقد بات اللبنانيون يدركون أن:

كل رصاصة تُطلق في الداخل هي ربح صافٍ للعدو.
وكل تفجير للسلم الأهلي هو
هدم لما تبقّى من الدولة والمجتمع.

 

الجيش اللبناني… لا يُباع ولا يُشترى

أما لمن يروّج أن رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، يمكن أن يكون أداة في مشروع داخلي لإضعاف المقاومة أو تفجير الداخل، فهو لا يعرف تاريخه.

العماد جوزيف عون، خريج مدرسة السيادة والانضباط، أدار الجيش في أحلك الظروف:

لم ينجر إلى الفتنة رغم الضغوط السياسية

لم يُستخدم ضد أي طرف داخلي

حافظ على وحدة المؤسسة رغم الانهيار المالي

قاتل العدو الاسرائيلي و الإرهاب في عرسال والجرود

ومن يتوهّم أن الجيش يمكن أن يُستخدم لضرب مشروع وطني أو جهة مقاومة، فهو إما جاهل، أو يزرع الأوهام لحساب غيره.

الهدف الحقيقي: تدمير محور الصمود واحتواء الفوضى في ضربة واحدة

ما يُدار في الكواليس ليس مشروع نفوذ جديد، بل هو محاولة مزدوجة لضرب “نقائض متوازية”:

من جهة، إنهاء المقاومة في لبنان، ممثّلة بحزب الله، لأنها القوة الوحيدة المتبقية في المنطقة القادرة على مواجهة “إسرائيل” عسكريًا وردعها فعليًا.

ومن جهة أخرى، التخلّص من الجماعات التكفيرية المنفلتة التي خرجت عن السيطرة وتُشكل عبئًا أمنيًا حتى على من صنعها وسلّحها.

بمعنى آخر: المشروع يسعى إلى تحقيق معادلة أمنية مثالية للعدو، تقوم على تحطيم كل من:

الأطراف المقاومة التي ترفض الهيمنة

والأدوات الفوضوية التي باتت تهدّد استقرار حلفاء واشنطن أنفسهم

يعتقد مطلقو هذا المشروع أن إشعال التوتر في لبنان، واستنزاف سوريا قد يحقق “التنظيف الاستراتيجي” للمنطقة من جميع اللاعبين غير المنضبطين، بضربة واحدة.

لكن الوقائع لا تؤكد ذلك.
بل إن جبهة الصمود ما زالت أصلب من أن يُكسر عمودها بأدوات مهترئة، أو بخطط مصنّعة في غرف الإذلال السياسي.

🟢 خاتمة

لبنان وسوريا ليسا في حالة تلزيم متبادل، بل هما في موقع الاستهداف المتزامن.

لا الجماعات المسلحة قادرة على فرض وقائع
ولا الرهانات الداخلية تمتلك مشروعًا
ولا الجيش اللبناني مؤسسة للمناورة السياسية
ولا حزب الله ضعيف ليُلغى بجملة إنشائية

من يروّج لهذه الخرافات، يخدم مشروعًا واحدًا:
مشروع تفكيك الجبهات الداخلية لصالح العدو الإسرائيلي، تحت شعارات “الحرية” و”السيادة” التي تُستعمل كأقنعة للخراب.