متفرقات

خضر: نقبل النقد ونرفض التجني وندعو أهلنا لعدم اليأس

المحافظ بشير خضر: نقبل النقد ونرفض التجني وندعو أهلنا لعدم اليأس

مشكورًا لبى محافظ بعلبك الهرمل الأستاذ بشير خضر طلبنا لإجراء مقابلة معه. ولكون المحافظ معروف بنشاطه الاجتماعي وحضوره الدائم في المدينة، فقد التقيت به أكثر من مرة في مناسبات مختلفة، لكن هذه كانت الجلسة المباشرة الأولى لي في حضرته.
حضرنا إلى مكتبه في الوقت المحدّد، وكانت حاضرة في بالي كل الأخبار التي تتحدّث عن الخصائص الشخصية للمحافظ، الإنسان النشيط، المبادر، الحاضر دومًا وفي الصفوف الأولى عند كل التحدّيات، المؤمن بالقانون والمساواة أمامه، والخاضع لمبادئه وقواعده، فيقبل بتفتيشه كأي مواطن عند دخول المرفق العام، ويبادر لتسديد مخالفة سير.
لم يطل انتظارنا ليستقبلنا سعادة المحافظ بابتسامة عذبة وقلب منفتح، ما شجّعنا على طرح كل أسئلتنا دون تردد، وكان لديه لكل سؤال الجواب الشافي.

• سعادة المحافظ، بعد مرور ثمانِ سنوات على تجربتكم كمحافظ لبعلبك الهرمل، كيف تقيّمون هذه
التجربة؟

أعتبرها تجربة ناجحة فقد عملت طيلة هذه الفترة بمحبة وإخلاص وقمت بواجبات عملي على أكمل وجه ضمن الصلاحيّات التي منحها لي القانون، ومن خلال علاقاتي العامة والشخصيّة مع بعض المؤسسات المحليّة ومع الدول المانحة. حققنا الكثير ولا سيما في الموضوع الأمني، وأوصلنا هموم ووجع المدينة للمسؤولين المحليين والدوليين، ونبادر بشكل مستمر لكل عمل فيه مصلحة بعلبك الهرمل. ولأن طموحاتنا كبيرة تجاه المحافظة كنّا نتمنّى تحقيق المزيد، لكن الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد خلال السنوات الأخيرة قد أثّر سلبًا وبشكل كبير.

• سعادة المحافظ، الوضع الاقتصادي الذي تحدثتم عنه قد يكون الأصعب في تاريخ لبنان الحديث، كيف
ساهمتم في تخفيف وطأته على المواطنين؟

قمنا بمتابعة شؤون المواطنين وهمومهم بشكل يومي، فمع انتشار جائحة كورونا في البلد قمنا بإقفال في كل الأوقات الحساسة والدقيقة، بغية الحد من تفشي إصابات الكورونا، وأصرّينا على تأمين اللقاحات المجّانية للأهالي، وقمنا بحملات مكثفة لتوعية المواطنين على أهمية هذه اللقاحات. ولما ترافقت الجائحة مع أزمة الدواء ، فادرنا إلى إنشاء حملة “شارك دواك” وهي حملة تدعو المواطنين الذين يمتلكون علب الدواء في منازلهم دون حاجة إليها بأن يقوموا بمشاركتها عبر المركز الذي أنشأناه، لا سيّما وأن للدواء صلاحية زمنيّة للاستخدام، ونحن نتكفّل بإيصال الدواء لمن من هم بحاجة ملحّة له. هذه الحملة التي اعتمدت بغالبيتها على المتطوعين نجحت في تأمين وتوزيع حوالي ٨٠٠٠ علبة دواء على أكثر من ١٢٠٠ شخص بحاجة إليها.
كما ساهمنا وما زلنا نساهم وعبر مساعدات من بعض المؤسسات المحليّة والدول المانحة، في توزيع الحصص الغذائية والمستلزمات الأساسيّة على العائلات المحتاجة.
وكنا خلال السنوات الماضية ندعو دائمًا لتشريع وتنظيم زراعة القنب الهندي للأغراض الطبيّة لما له من أثر إيجابي في نهضة المنطقة زراعيًّا واقتصاديّا، وإلى إنشاء المصانع التي تعتمد في إنتاجها على مواد محليّة ما يؤدي إلى نهضة القطاعين الاقتصادي والزراعي، وكنا دائمًا نتلقى الوعود الإيجابيّة، لكن في هذه المواضيع نحن لسنا أصحاب سلطة وقرار ويعود تحقيق هذه الوعود والآمال للسلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة. ولا شك أن الانهيار المالي والاقتصادي يجعل التحدّيات أصعب، وبما أن موازنة الدولة والوزارات والبلديّات هي بالليرة اللينانيّة، والشراء هو على سعر صرف سوق الدولار، لم تعد هذه الموازنات قادرة على تأمين الحد الأدنى من مستلزمات العمل البسيطة كالأوراق والحبر والقرطاسيّة وغيرها.

• هل تخشون انعكاس الوضع الاقتصادي على الوضع الأمني؟ وما هي الإجراءات الاحترازية التي اتخذت؟

إن الوضع الاقتصادي قد أثر بالفعل على الوضع الأمني في البلد ودائما ما نسمع عن أحداث أمنية متفرقة في مختلف المناطق، لكن الوضع هو أكثر أمنًا في مدينتنا، فالأمن ممسوك بفعل جهود القوى الأمنية التي تسهر على أمن المدينة والمواطنين، وأنا شخصيا أعطي الأمن الأولوية المطلقة، واجتماعاتنا الأمنية مستمرة ومفتوحة، والقوى الأمنيّة تقوم بواجباتها على أكمل وجه رغم الإجحاف الذي لحق برواتب القوى الأمنية والعسكرية، والقطاع العام ككل، نتيجة لانهيار الليرة اللبنانية.

• انهيار الليرة اللبنانيّة جعل من رواتب القطاع العام دون قيمة كما ذكرتم، لكن من المتوقّع زيادة الرواتب ثلاثة أضعاف، هل تعتقدون أن هذا القانون سيمرّ، وهل هو كافٍ؟

رواتب موظفي القطاع العام وأنا منهم بالتأكيد بحاجة للمعالجة، فعندما لا يتلقى الموظف راتبًا يحفظ له كرامته ولقمة عيشه، سيتراخى في عمله ويتقاعس عن واجباته، وقد يترك عمله ويبحث عن عمل آخر. نأمل بأن يتم تصحيح الرواتب والأجور في أقرب وقت، لكن حتى لو تمّت زيادة الرواتب ثلاثة أضعاف كما هو مطروح ستبقى غير كافية. فمثلا راتب رئيس دائرة اليوم، وهو منصب وظيفي رفيع، لا يتجاوز الستين أو السبعين دولار، ومع الزيادة المقترحة لن يتجاوز المائتي دولار وهذا راتب غير عادل. هن يتحدثون عن صعوبة تأمين مصدر لتمويل زيادة الرواتب، في حين أن هذا الموضوع قد يعالج بتصحيح الجباية .وتحديث كلفة الرسوم، فرسم السجل العدلي مثلاً هو أقل من كلفته الفعليّة على الدولة.
أنا شخصيّا لم أتقاعس يومًا عن عملي بسبب خسارة قيمة راتبي، ومستعد للعمل حتى ولو مجانًا، لكن أطلب أن يكون هذا ضمن رؤية إصلاحيّة واضحة وإطار زمني محدّد، وهذا ما يجب على السلطات المعنيّة القيام به وبأسرع وقت.

• في ظل الأجواء الاقتصادية الصعبة، تكثر الانتقادات للمسؤولين، كيف تتعاملون مع هذا النقد؟
.
أنا أتقبل أي نقد موضوعي من أيّ يكن لكن التجنّي والظلم مرفوض نهائيا، كأن يحملنا بعض المواطنين مسؤوليات ليست من نطاق وظيفتنا ولا صلاحيتنا. إذ كيف يمكن أن يلام المحافظ على مواضيع كالكهرباء؛ والمياه، ومكتب المحافظ في أكثر الأحيان لا توجد فيه الكهرباء؟ يجب أن يفهم المواطن أن المحافظ موظف مقيّد بصلاحيات محدودة ومحدّدة لا يستطيع تجاوزها، فهو ليس الحكومة. كما أن مؤسسات عامة كمؤسستي المياه والكهرباء في لبنان هي مؤسسات مستقلة، لا صلاحية للمحافظ تجاهها. ونحن إذا قمنا نتيجة علاقاتنا الجيدة بالدول المانحة بتأمين محطات ضخ للري على الطاقة الشمسية في بعض البلدات، فإن مردّ ذلك لحبنا لبعلبك الهرمل وأهلها، وخارج إطار مسؤولياتنا وصلاحياتنا.

• المحبّة متبادلة بين بعلبك الهرمل وبين سعادتكم، لكن أليس من الغريب أن هذه المنطقة العريقة، الغنيّة بالآثار والتاريخ غير مصنّفة كمدينة سياحيّة؟.

بعلبك غير مصنفة مدينة سياحية مع أن قلعتها تستعمل كوااجهة كل المطبوعات والإعلانات السياحية في البلد وهذا أمر غريب. ونعتقد أن بلدية بعلبك قادرة على القيام بدور أفضل من الدور الذي تقوم به حاليًا، وبمقدورها على تحسين مردود القلعة بشكل كبير.
من ناحيتنا فقد كنا دومًا نقوم بتنشيط السياحة في يعلبك بكل إمكانياتنا، كالاحتفال الذي أقيم عشية عيد الاستقلال بمناسبة عيد ميلاد السيدة فيروز، ومن خلال احتضاننا لمهرجانات بعلبك الدوليّة، وعبر مشاركتنا الدائمة في كل المحافل الدولية لكل ما يشجع على السياحة في بعلبك كحفل “بعلبك حبّي” الذي أقيم في باريس. وكما أن الأمن الذي سعينا دائما لتوطيده هو الركيزة الأساسية للسياحة، فإن تصنيف الدول الأجنبية لمدينة بعلبك كمنطقة Red Zone أي منطقة خطرة، قد أثر على قدوم السياح الأجانب للمدينة. لذلك قمنا بالتواصل مع هذه الدول لرفع هذا التصنيف عن المدينة. واليوم نجد الكثير من السواح الأجانب في المدينة، وبشكل يومي، للتعرف على أمجاد وتاريخ هذه المدينة العظيمة.

كيف ترون مستقبل بعلبك كمدينة والوطن ككل في المرحلة القادمة؟

على الرغم من كل الأوضاع الصعبة التي نعيشها، لدي إيمان عميق بأننا سنخرح من هذه الأزمة وأن الأفضل آتٍ، وأدعو الناس لعدم اليأس والتحلي بالأمل والإيمان بأن هذا النفق المظلم قد اقتربت نهايته وسنخرج إلى النور والخلاص، وأن لبنان، الوطن الصغير بمساحته، الكبير بإمكانياته وشعبه، سيعود كما كان وأفضل.