مناورات الكلام لا تشعل الحروب… وإيران ومحورها أذكى من ضجيج الصوت العالي
بقلم: غنى شريف
في وقتٍ يزداد فيه الضجيج الإعلامي وتُشنّ الحروب على الورق أكثر مما تُخاض في الميدان، يخرج علينا بعض الكُتّاب بمقالات تضجّ بالسيناريوهات السوداوية والتحليلات المتخيلة، يضعون فيها المنطقة على شفير حرب شاملة لا تبقي ولا تذر، وكأنهم يتمنون اندلاعها أكثر مما يحذرون منها.
احدى المقالات الأخيرة، مثال واضح على هذا النمط من الكتابة الذي يخلط بين التحليل والتهويل، وبين المعلومة والتخمين. ففي حين يُبنى خطاب محور المقاومة على التبصّر والحكمة والردع المتوازن، يأتي المقال ليصوّر الأحداث وكأنها ستنفجر غداً، وكأن واشنطن وتل أبيب لم تُهزما من قبل بفعل هذا المحور المتماسك، وكأن قوى المقاومة تفتقر لعنصر المفاجأة أو المناورة السياسية.
نعم، المنطقة تعيش لحظة توتر، وهذا ليس بالجديد. لكن هل من العقل والمنطق أن نُغرق جمهورنا بخطاب الذعر؟ وهل باتت المقاومة بحاجة لمن يذكّرها بكيفية المواجهة أو يزايد عليها في الجهوزية والوعي الميداني؟
لقد أثبتت إيران، ومعها حزب الله وحركة امل والحشد الشعبي وأنصار الله، أن ضبط النفس ليس ضعفاً، بل أعلى مراتب القوة. والردع لا يُعلن عبر المقالات، بل يُثبت بالنتائج. فكل محاولة لجرّ المحور إلى ردّ انفعالي، تُقابل بصمت صاخب يقلب الموازين في الوقت المناسب.
أما عن سيناريو “الإيغور والشيشان” و”اجتياح القرى البقاعية”، فهو أشبه بسيناريو تلفزيوني مفرط في الخيال، يعكس رغبة في ترهيب الناس أكثر مما يعكس واقعاً عسكرياً يمكن أن يُبنى عليه أي تحرّك فعلي. فهل سُحبت يد روسيا فعلاً من سوريا حتى يُقال إنها تشارك في المخطط؟ وهل تُدار المعارك بهذه البساطة وكأن الجغرافيا بلا خرائط والاستخبارات نائمة؟
ولنذكّر، أن واشنطن وتل أبيب جرّبتا أقصى ما يمكن فعله على مختلف الجبهات، فكانت النتيجة انكفاءً في غزة، ارتباكاً في البحر الأحمر، عجزاً أمام اليمن، وتجمّداً في الجبهة اللبنانية حيث حسابات الردع الدقيقة.
الرسائل الإيرانية، سواء عبر السيد لاريجاني أو غيره، ليست تهديداً بالفراغ، بل إشارات ذكية تُقرأ في مراكز القرار. ومَن يعرف الدبلوماسية الإيرانية يدرك أنها لا تفرط بكلمة دون هدف، ولا تصعد السلّم إلا لتقطف ثمرة سياسية أو ميدانية.
ختاماً، نعم نحن في عين العاصفة… لكننا من يصنع توازن الرعب، لا من يخشاه. والضجيج الإعلامي وإن كان مرتفعاً، لا يُخيف إلا مَن لا يعرف معنى الصبر الاستراتيجي، ولا يفهم أن صمت المحور أحياناً… هو بداية العاصفة الحقيقية.






